U3F1ZWV6ZTY2MDMyMjc0ODAwMzdfRnJlZTQxNjU4ODY4ODA5NTI=

هل سيتم تفضيل أهل الخبرة و أصحابها على أهل الشهادات

هل سيتم تفضيل أهل الخبرة و أصحابها على أهل الشهادات


لدي صديقة تخرجت من الهندسة المدنية إلا أنها بدأت مسيرتها المهنية كمصممة جرافيك. هي الآن مديرة قسم المحتوى المرئي في مجلة مشهورة. ليست صديقتي حالة متفردة، فالكثير من حاملي الشهادات الجامعية لم يعملوا بالتخصصات التي درسوها، إنما اختصوا في مجالات تتعلق بمهارات اكتسبوها بجهدٍ شخصي وليس على مقاعد الدراسة. الأمر الذي دفعني للتساؤل هل ستغني المهارات عن الشهادة الجامعية في سوق العمل؟ هل يكتفي أرباب العمل بالمهارات عوضاً عن الشهادات الجامعية؟ إن كانت هذه هي الحال، لماذا نستمر بالسعي للحصول على الشهادات الجامعية؟

ولما كانت هذه الظاهرة عالمية وليست حكراً على مجتمعٍ واحدٍ فقط، حاول مجموعة من الخبراء دراستها لتبّين أسباب منافسة المهارات البديلة للشهادات الجامعية و التأكّد من قابليتها لشغل مكان الشهادة الجامعية في المستقبل.

أهم الأسباب التي جعلت من المهارات البديلة منافساً للتعليم الجامعي:

هل سيتم تفضيل أهل الخبرة و أصحابها على أهل الشهادات


  1. العلم والمعرفة لم يعودا حكراً على المؤسسات التعليمية لما كانت الجامعة هي الوسيلة الوحيدة للتعلّم بنية الانخراط في سوق العمل، لم يكن لأحدٍ أن يشكك في أهميتها. أما اليوم ونحن نحيا بعالمٍ مشابه لعالم الديجيتال الذي كبرنا ونحن نشاهده. والبوابة إليه هي هذه الشاشة التي تقرأ منها هذا المقال الآن. وجب السؤال؛ لماذا نجلس ساعاتٍ في قاعات الجامعة للوصول إلى نفس المعلومات مستهلكين معظم أيامنا، بينما نستطيع الوصول إلى هذه المادة من منازلنا من شاشاتنا؟ يكاد لا يوجد مادة تودّ تعلّمها إلاّ تجد منصات موثوقة تقدمها بأبسط وأسهل الطرق دون الحاجة لمغادرة غرفتك. دورات تعليمية متاحة على الإنترنت تناسب جدولك اليومي، كتلك التي توفرها منصات التعلم مثل إيديكس (EDX)، كورسيرا (Coursera) وغيرها.
  1. اتساع الفجوة بين متطلبات سوق العمل والمهارات التي تقدّمها الجامعة أتحدّث عن ذلك القسم المتوقع منك شغله ببنود متعددة في سيرتك الذاتية والمسمّى “مهارات” (ٍSkills). مجموعة من المهارات التي لا تقدّمها الجامعة ويطلبها سوق العمل تدعى بالمؤهلات البديلة. فجوة المهارات هذه ناجمة عن ظهور التقنيات الحديثة والمتطورة في العالم التي لم تستطع الجامعات التعامل معها ومجاراتها. فالشهادة الجامعية لم تعد تضمن نيل وظيفة ما، بل إن الأمر يتطلّب، تعلم مهارات جديدة باستمرار. إن كان لابد من التعليم الذاتي بهدف الحصول على هذه المؤهلات البديلة والمهارات، فلماذا لا نلجأ إليه من البداية؟
  1. ارتفاع تكلفة التحصيل الجامعي مقارنةً بالحصول على المهارات البديلة الارتفاع المستمر في تكاليف التعليم الجامعي وعلى وجه الخصوص في الجامعات المرموقة، دفع الكثيرين للتساؤل، عما إذا كان العائد من استثمار كل هذه الأموال في الشهادات الجامعية، يستحق ذاك العناء أم لا، سيّما وإن كانت الطرق البديلة والتعليم الذاتي تكفل تحقيق النجاح في الحياة المهنية بشكلٍ مماثل.
  1. تجارب ناجحة لأشخاص حصّلوا تعليماً مناسباً دون الالتحاق بالجامعة من أهم هذه التجارب، تجربة سكوت يونغ (Scott Young) الذي قرر عام 2011 دراسة كل المناهج التي تؤهله للحصول على شهادة علوم الكمبيوتر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، دون الالتحاق بالجامعة. استطاع في عامين إتمام دراسة المناهج المؤهِلة لنيل الدرجة الجامعية التي تحتاج أربعة أعوام، دون الاضطرار لدفع أي رسوم دراسية كفيلة.
  1. تفضيل دونالد ترامب لأصحاب المهارات على أصحاب الشهادات الجامعية وقع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في حزيران 2020 أمرا تنفيذياً، موجهاً تعليمات لفروع الحكومة الفدرالية بالتركيز على المهارات بدل الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين الفدراليين. هذا القرار غيّر من استراتيجية التوظيف في الدوائر الحكومية. وشجّع الشركات الخاصة على اتباع هذه النهج الجديد بتوظيف مرشحين يتمتعون بالكفاءات والمعرفة ذات الصلة، بدلا من التوظيف بناء على الشهادة. بدأت شركات خاصة بتنفيذ هذه المبادرة مثل شركة آي بي إم (IBM). حيث عيّنت 15% من موظفيها الجدد على أساس المهارة بدلاً من المستوى التعليمي.
  1. الجائحة الأخيرة لفيروس كوفيد 19 إن لم تكف جميع الأسباب السابقة للتشكيك بفعالية التعليم التقليدي، فإن الجائحة الحالية لفيروس كورونا كفيلة بذلك. قبل انتشار الوباء، كان هناك بالفعل اعتراف واسع النطاق بأن الأسلوب التقليدي للتعليم العالي يواجه تحديات خطيرة. وأنّ التعليم العالي تخلّف كثيراً عن الصناعات الأخرى في الانتقال إلى نموذج أعمال أكثر تركيزاً على النتائج وأكثر توجهاً رقمياً. هذه الجائحة أجبرت المؤسسات التعليمية على اتباع أسلوب التعليم عن بعد الذي أثبت فعاليته على الرغم من التشكيك لسنوات طويلة في قابلية إتباعه وجدواه.

تبدو هذه الأسباب كافية للتشكيك بأهمية الشهادة الجامعية واستبدالها بالوسائل البديلة ولكن ما رأي أصحاب الشركات وأرباب العمل في الأمر؟ ففي حقيقة الأمر هدف التحصيل العلمي الرئيس هو الحصول على فرصة عمل بدخلٍ جيد وأمانٍ وظيفي. في هذا الصدد قام شون غالاغر (Sean R. Gallagher) -المدير التنفيذي لمركز مستقبل التعليم العالي واستراتيجية المواهب – بإجراء استبيان على 750 من مديري الموارد بشرية لبيان دور الشهادات في التوظيف على مدى خمس سنوات. جرت هذه الدراسة في عام 2018 وركّزت على الشركات الأمريكية الكبيرة والمتوسطة التي تعمل بأنشطة صناعية وتجارية مختلفة.

قارنت الدراسة بين أهمية الشهادة الجامعية والمهارات وجاءت نتائجها كمايلي:

هل سيتم تفضيل أهل الخبرة و أصحابها على أهل الشهادات


  • عند سؤال أرباب العمل عن حدوث تغير في الأهمية النسبية لمؤهلات التعليم عند التوظيف في السنوات الخمس الأخيرة، أجاب 29 % منهم أنها بقيت ثابتة، بينما أفاد 48% بأن أهميتها ازدادت ليوضح 23% منهم أن أهمية التحصيل الجامعي انخفضت عند دراسة طلبات التوظيف في شركاتهم.
  • 44% منهم أشاروا أن مستوى المؤهلات العلمية المطلوبة ارتفع لنفس الأدوار الوظيفية على مدى السنوات الخمس الماضية وعزوا الأمر إلى زيادة متطلبات المهارات لهذه الوظائف، فضلا عن زيادة العرض في السوق.
  • أجمع 64% من أرباب العمل على أن الحاجة إلى التعليم المستمر مدى الحياة تتطلب مستويات أعلى من التعليم. هذا لا يعني بالضرورة أن الجميع سيحتاج إلى تحصيل درجة الماجستير، ولكن هناك بالتأكيد حتمية التعلم مدى الحياة في القوى العاملة.
  • بدأت الشركات تعتمد على تحليلات المواهب عند دراسة طلبات التوظيف بطريقة جديدة وأكثر صرامة. وهناك ديناميكية أخرى المتمثلة بالقدرة على القيام بتقييمات مسبقة للتوظيف على الإنترنت. وهذا يزيد من قدرة الشركات على اختبار المرشح كجزء من العملية بدلاً من الاعتماد على تحصيله العلمي. تتحدى هذه التقييمات دور الشهادات العلمية ولا تستبدلها.
  • ما يزيد عن نصف الشركات بيّنت أنها تستكشف أو تفكر في بذل جهد رسمي للحد من التركيز على الشهادات العلمية وتحديد أولويات المهارات. 23٪ منهم يقومون بذلك بالفعل.
  • التوجه للتوظيف القائم على المهارات أو الكفاءة أكبر من المتوقع. تبذل العديد من الشركات جهوداً إضافية لإزالة أولوية الشهادات المعتمدة التقليدية، ومنحها للمهارات البديلة. حيث ترغب الشركات في تنمية قاعدة أوسع من المواهب في عملياتها.

خلاصة القول، في حين يبدو أن المهارات والمواهب تكتسب أهميةً أكبر مع الوقت، إلا أن التعليم الجامعي سيحتفظ بأهميته في المستقبل على الأرجح، لكن التحلي بالمهارات المختلفة سيؤدّي دوراً هاماً في التوظيف. ففي حين تركّز الشركات على المهارات التي يتمتع بها الموظفون المرشحون إلا أنها تعتبر الشهادات الجامعية شرطاً أساسياً لدراسة طلبات التوظيف الخاصة بهم. قيامك بأي شيء يُكسبك مهارات قيمة سيزيد فرصك في سوق العمل ولكن الشهادة ضرورية، على الأقل حتى الآن.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة